• ×
السبت 11 شوال 1445
الدكتور:نزار السامرائي

خطوة أخرى على طريق بغداد

الدكتور:نزار السامرائي

 0  0  1.2K
تتميز مدن إيران بشتاء قارس تتساقط فيه ثلوج كثيفة، وإن لم تسقط الثلوج فإن الجليد الناعم يغطي كل أرض رطبة بحيث أن الحركة تكون فيها مستحيلة أو على الأقل في غاية الصعوبة، وخاصة لرجال هدت أجسادهم سنوات التجويع والإهمال والتعذيب، ولولا رحمة الله وخزين العراق الذي حملوه معهم، وإرادة صلبة لا تلين أمام التحديات، لما خرج حيا أحد منهم من قبور الأحياء العميقة.

ولكن دفعة الأمل التي تدفقت من بوابات العراق لتحمل نسيمات دافئة، أنست الأسرى برد طهران وملابسهم الخفيفة التي لا تصلح إلا لجو خليجي دافئ، ولا التغذية التي تقدم للأسرى والتي يسعى السجانون ألا تشبعهم ولا تغني عنهم من جوع، وأيضا لا تؤدي لموت فوري يمكن أن يقود إيران إلى ملف إضافي بخرق اتفاقية جنيف الثالثة، مع أن سجلها المثبت لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر يكفي لإدانتها أشد الإدانات لأنها ارتكبت من الجرائم ما لم تعرفه حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية، نعم نسوا كل ذلك ودبت في أوصالهم حرارة الشوق لعناق نخل العراق وتقبيل ترابه، وانتعشت فيهم آمال العودة السريعة، قبل أن تفلت من أيديهم كل عصافير الوطن مرة أخرى، لأنهم يعيشون في بلد كان على الدوام ينقض المواثيق والوعود.

قبل ستة عشر عاما عادت الروح إلى أجساد عصرها التعذيب والتجويع والشوق للعراق، ولكن الفرحة بقدر ما شملت الجميع لأن بعض الأسرى سيعودون إلى مهد الصبا ومرتع الطفولة، لكن هذا الفرح شابته مسحة قلق مشروع، وتساؤل يطرحه كل أسير بينه وبين نفسه وقلة هم الذين يجاهرون فيه، هل أنا من ضمن العائدين؟ أم علي أن أقطع لنفسي بطاقة لفترة ألم يعتصرني وأسرتي؟
أنا في هذا الجزء من الحياة لست على استعداد للتخلي عن مقعد عودتي للعراق، لأن الأمر ليس فيه نكران ذات أبدا، بل هذه أنانية محبوبة وليس من حق أحد ذمها إلا من عاش في ظرف مثل ظرف أسر مرير في إيران .

الدكتور : نزار السامرائي
عميد الاسرى العراقيين في سجون ايران