• ×
السبت 11 شوال 1445

مشاهد بدأت بأدب الرحلات.. وانتهت بوسائط الجوال!

مشاهد بدأت بأدب الرحلات.. وانتهت بوسائط الجوال!
بواسطة fahadalawad 15-12-1433 04:02 صباحاً 708 زيارات
ثقة ج متابعات:  جاء التوثيق بالكلمة في الأدبيات القديمة صورة تصف مشاهد ومشاعر رحلة الحج.. فكانت مسلكا لرصد مشاهدات هذه الرحلة الإيمانية.. إذ لا سبيل إليها إلا بالكلمة.. ولا صورة غلا بما تشكله الكلمة في مخيلة القارئ.. هكذا نجد مشاهدات رحلة الحج عبر العصور بدءاً بالتاريخ القديم الذي يمثله العصر الجاهلي وما سبقه من عصور.. وعبر العصور الإسلامية منذ صدر الإسلام مرورا بمختلف مراحل العصور الإسلامية.. وصولا إلى العصر الحديث، وما واكبه في تدوين رحلة الحج ومشاهداتها عبر طرقها مرورا بخارطتها المكانية.. والأخرى الاجتماعية.. وصولا إلى مواقيت الحج.. ومنها إلى الوصول إلى مكة المكرمة، وما يصحب ذلك من تدوين رحلة الحج عبر الأزمنة حتى العصر الحديث.
إن ما ضمته أدبيات تراثنا العربي وفيما كتبه الرحالة المستشرقون في رسائلهم ومؤلفاته، فقد جاءت الكتابة عن رحلة الحج وزيارة البقاع المقدسة، جاءت عبر مسارين رئيسين، الأول منهما يتمثل في الكتابة عن رحلة الحج في كتاب خاص بها، أما المسار الآخر فتأتي الكتابة عنها ضمن فصل يفرده المؤلفون لها فيما ألفوا من كتبهم عن الرحلات.. مما جعل من كتب الرحالة الأجانب والمستشرقين ذات قيمة تاريخية كبيرة وخاصة تلك التي اتسمت بالحيادية والموضوعية بعيدة عن التحيز والذاتية غير المنضبطة فيما جرى العرف به في منهجية التأليف ورصد المشاهدات رصدا وثائقيا.. حيث يخرج من هذا النوع كتب المستشرقين التي كانت أشبه ما تكون بكتابات جاسوسية أو ما تعارف عليه حديثا بكتابة استخباراتية، أو من كتب عامدا التضليل فيما شهد عبر إسقاطات بقصد أو بدون وعي.. على النقيض تماما من كتابات آخرين اتسموا بالحيادية فيما دونوه، ومنهم من اعتنق الدين الإسلامي لما تأثر به من سماحة الدين الإسلامي وما وجده من حسن المعاملة، في ظل ما يتمتع به المجتمع المسلم من قيم مثالية المعاني قولا وسلوكا.

وفي سياق الأدبيات التي رصدت رحلة الحج في العصور القديمة، نجد الرحالة من أصل بريطاني لودو فيكو دي فاريتما الذي تنقل عبر العديد من الأقطار العربية في أوائل القرن السادس عشر الميلادي والذي يقول عن مشاهداته للحج :" والحق أقول، بأنني لم أر أبدا تجمعا هائلا احتشد في مكان واحد كما رأيت في مكة!" أما فيما كان شائعا من خرافات عن الدين الإسلامي والرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين عامة يقول: " أما بخصوص تلك الأخبار.. فأنا أخالفها تماما، وأؤكد لكم أنها ليست صحيحة" بينما يصف المستشرق السويسري جون لويس بيركهارت، الذي وصل إلى مكة مخفيا اسمه وشخصيته باسم عربي، والذي تنقل مع الحجاج مؤديا معهم مناسك الحج كما تذكر ذلك بعض المصادر التي يصفها بعد ذلك في كتاباته بقوله: " خلال جميع رحلاتي في الشرق، لم أتمتع براحة كالتي عشتها في مكة.. وسأحتفظ بذكريات جميلة عن إقامتي هنا"

كما وصف بيركهات، ما أدهشه من تعدد جنسيات الحجاج .. إضافة إلى ما أدهشه من روائح المسك في الحرم المكي.. إلى جانب ما لفت نظره من كثرة حمام الحرم الذي لم يشاهد من يتعرض له بصيد أو إيذاء لعدم معرفته بحرمة صيد الحرم.

وعلى الرغم مما طغى على كتابات الرحالة والمستشرقين من الكتابة بأسلوب يتراوح بين الانطباعية وغلبة الميول الذاتية.. إلى جانب ما غلب على بعضها من اتخاذ الجانب السردي الأقرب إلى لأسلوب الأدبي، أكثر منه رصدا تاريخيا توثيقيا.. إلا أن الكتابات في مجملها لم تخل من الحيادية عند عدد منهم وخاصة عندما يدونون مشاهداتهم عن مكة المكرمة والمدينة المنورة وخاصة فيما دونوه عن الحج ورحلاته.

وإذا ما وصلنا إلى العقود الثلاثة الأخيرة تحديدا، وما شهدته من ثورة اتصالية عمت مختلف وسائل وتقنيات الاتصال العالمية التي أنتجت العديد من المصطلحات المعاصرة التي لم تكن معروفة قبل هذه العقود ولعل مصطلحات: التفجر المعرفي.. الثورة الرقمية.. الانفجار التكنولوجي.. القرية الكونية.. المخلوقات الميكانيكية.. المجتمعات الافتراضية.. وغيرها من المصطلحات جاءت نتيجة لما أحدثته تكنولوجيا الاتصال بمختلف مجالاتها التقنية، التي جاء ضمن شيوع انتشارها العالمي الهائل والسريع.. وعبر تنامي استخداماتها المختلفة، أنها استطاعت أن تشغل الكثير من الذاكرة البشرية ضمن ذاكرتها الرقمية عبر إيقونتها "حفظ" إلى جانب ما أصبحت تمثله في مجال الكتابة بمختلف فنونها وتخصصاتها.إذ أصبحت ميدانا للتدوين ووعاء للكتابة ومصدرا معلوماتيا لها.

إلى جانب ذلك فقد تجاوزت تقنية الأجهزة "الكفية"مرحلة الاتصال والإرسال والاستقبال مراحل متقدمة في مجال توظيف الصورة "الثابتة" والأخرى "المتحركة" إلى جانب شيوع وسائط الشبكات الاجتماعية عبر أجهزة الجوال التي تحولت إلى أجهزة "مونتاج" في أكف مستخدميها.. مما جعلها وسيلة اتصال وتواصل.. وبوابة لمجتمعات حامليها إلى عيون الناس وأسماعهم وقلوبهم وعقولهم قبل أبصارهم.. مما جعل من هذا الشيوع وامتدادات هذه التقانة لغة ومشاهدات لضيوف الرحمن خلال أدائهم للركن الخامس من أركان الإسلام.. مما جعل مشاهد الحج بعيون الحجيج مشاهد متناغمة عبر مئات الآلاف من العدسات التي ترصد الكثير من مشاهد هذه الرحلة الإيمانية بالكلمة التي عادة ما تكون مصحوبة إما بالصورة الثابتة، وإما بمقاطع الفيديو بشكل عام.. لتجد الصورة والكلمة في مقام التعبير عن المشاهد الروحانية والإيمانية.

إن ما تتميز به تلك المشاهدات الروحانية بشكل عام، التنوع الذي يأتي نتيجة الحشود الكبيرة التي تجتمع على صعيد واحد في منسك واحد في زمن محدد، الأمر الذي يجعل من هذه الحشود مصدر تنوع كبير لما يرصده أفرادها من مشاهد الرحلة الإيمانية.. إلى جانب ما يتبع هذه المشاهد الإيمانية من شيوع عبر الشبكات الاجتماعية، وما يصحبها إلكترونيا من تدوين العبارات التي تتناغم مع مشاعر الحجاج وعباراتهم التي تلهج بالذكر والشكر والدعاء.. والمتتابعة في الإشادة بما شهده الحرمان الشريفان من أكبر توسعة في هذا العهد الميمون الذي يصنع منجزاته النوعية الشاملة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله بتوفيقه بمساندة ومؤازرة ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله - الأمر الذي يجعل من هذه الصور المتكاملة بين المشاعر والمناسك والمنجزات وما يسودها من أجواء إيمانية وروحانية، وما يحفها من خدمات على مختلف المستويات والمجالات على مدار الساعة حاضرة بالكلمة الإيمانية.. والصورة الروحانية.. بعيون ضيوف الرحمن الذين نقلوا هذه المشاهد عبر مشاهداتهم إلى كل فج عميق.